الأحد، 30 أكتوبر 2011

رسومات

هذه حصيلة رسومات يوم عطلة كامل.






السبت، 8 أكتوبر 2011

نسخ الأجيال

اليوم بعد أن شاهدت أحد حلقات مسلسل بقعة ضوء عن مغترب عائد من أمريكا لزيارة بلده ليجد بأن من يعيش في البلد لا يلتقي بعضه إلا مرة كل عدة أعوام تذكرت أيام المرحلة الابتدائية. ربما من درس في مدارس سورية في فترة الثمانينات والتسعينات يذكر جيدا احد مواضيع التعبير الأساسية الذي كان عبارة عن رسالة إلى قريب مغترب للدعوة إلى العودة إلى الوطن مع سرد ووصف مزايا الوطن ومحاسنه ومساوئ الغربة ومشاقها. 

أتساءل الآن، هل كان موضوع التعبير ذلك فيه أي شيء من التعبير من خيال الأطفال؟ أم هو مجرد نسخ لما يمليه عليهم معلم الصف من موضوع نموذجي يقومون بنسخه مرات ومرات؟ ماذا عن طفل ليس لديه أي قريب في بلد آخر، كيف يستطيع تخيل ما سيكتب عنه في الموضوع؟ ثم ماذا عن طفل لم يخرج من بلده طول عمره، هل سيستطيع حقا المقارنة بين محاسن الوطن ومساوئ الغربة؟ 

يخيل لي الآن بأن موضوع التعبير ذاك لم يكن أكثر من مجرد أداة من أدوات الدولة لاستعادة المغتربين و/أو من أجل رفع الوعي الوطني عند الصغار حتى قبل أن يعرف الصغار ماذا يجري خارج حدود بلدهم. لا أدري إن كان لازال موضوع التعبير ذاته يدرس حتى اليوم في المدارس، لكني واثق من أن تفكير الحكومة لم يتغير في موضوع استعادة المغتربين وذلك عن طريق إحداث وزارة المغتربين، ومؤتمرات المغتربين السنوية، وغيرها وغيرها. على مر الأجيال تعددت الوسائل والهدف واحد. الجميع مدرك لأهمية عودة المغترب ولكن لم ينجح أي من تلك الوسائل التي استنسخت عبر الأجيال بأشكال عدة بتحقيق الهدف. 

الإنسان في تصرفاته يفعل الكثير مما تفعله الأم الطبيعة ذاتها من حيث النسخ والتكرار في المورثات والخلايا، وذلك عن طريق نسخ التصرفات والأعمال والإجراءات. لكن هل من الصحيح استمرار النسخ مع ثبات عدم نجاح الطريقة بانتظار طفرة قد تحدث أو قد لا تحدث؟ أم أن علينا كبشر نستطيع الحكم على الأشياء واتخاذ قرارات موجهة، القيام بنسخ الأجيال مع إحداث تعديلات مدروسة متوقعة النتائج؟ ربما هذا هو ما يدعى في علم الأحياء الفرق بين الطفرات الطبيعية والتعديل الجيني المدروس. 

الجمعة، 7 أكتوبر 2011

دكتور ...


مضت السنوات الثلاث سريعا، منذ أن كنت بيضة دكتور إلى أن حصلت على الشهادة وأصبحت .. "دكتور". عندما أسمع أحدهم يناديني "دكتور... " أتلفت من حولي، هل تتحدث معي؟ أم أن هناك أحد غيري؟ من يخاطبني بهذا اللقب هل هو مقتنع حقا بأني أستحقه؟ أم هو نوع من البريستيج المتبع لخلق علاقات اجتماعية أقوى مع شخص يضفي عليه لقب "دكتور" في مجتمعنا صفة اجتماعية قد يبدو لها نفوذ أكبر من أي شيء آخر.

أرجوك اسد لي خدمة، ولا تنادني "دكتور"، فمدونتي (هذه المدونة المتواضعة التي قد يمر عليها عام دون أي تدوينة جديدة) كانت وستبقى إلى الأبد بعنوان "بيضة دكتور" أي أني قد قطعت العهد على نفسي أن أبقى في كرسي المتعلم حتى اللحد.

شكرا لكل من قرأ وكتب تعليقا في هذه المدونة خلال فترة السنوات الثلاث الأخيرة، وأتمنى زيارتكم من فترة لأخرى في المستقبل أيضا.

نحن وهم

نحن دعونا، وهم رفضوا
نحن كتبنا، وهم مَحوا
نحن بنينا، وهم دَمروا
نحن سالمنا، وهم حَاربوا
نحن أقبلنا، وهم أَدبروا
نحن صادقنا، وهم عادوا
نحن الخير، وهم الشر
نحن الحق، وهم الباطل
نحن دعاة سلام، وهم دعاة حرب
نحن ولا من أحد غير نحن

هم قَتلوا، ونحن استشهدنا
هم اعتدوا، ونحن ظُلمنا
هم سَلبوا، ونحن سُرقنا
هم زَوروا، ونحن وثقنا
هم خالفوا، ونحن التزمنا
هم صارعوا، ونحن حاورنا
هم الحرب، ونحن السلام
لهم النار، ولنا الجنة
هم من يجب أن يطيع، ونحن من يجب أن يرث الأرض
نحن ولا من أحد غير نحن

تنبيه : إن كنت من "نحن" فعلى الأرجح أنك لم تفهم ما المقصود.

الخميس، 25 مارس 2010

شو بشتغل أبوك؟

حل الصمت على قاعة الصف بعد أن جلس الطالب الجديد في مقعده. يبدو أن الكثيرين لم يكونوا يرحبون بقدومه فقد شارف عدد القابعين في تلك الحجرة على الأربعين بعد أن كانوا أقل من ذلك بخمس طلاب منذ بدء العام الدراسي. يبدو أن سمعة المدرسة تحسنت عما سبق مما جذب إليها المزيد من الطلبة، أو أن أسعار المنازل في تلك المنطقة شهد انخفاضا مؤخرا دفع بالعديد من ذوي الدخل المحدود إلى استئجار منازل فيها، أو ربما أن أعداد القادمين من القرى المجاورة أو البعيدة هو الذي زاد جالبا معه الكثير من البطالة المقنعة أو غير المقنعة ليزيد حمل أكتاف المدينة المترهلة من أناس يحتاجون المزيد من الطعام كل يوم مقابل أناس ينتجون كمية أقل منها في تلك القرى التي غادروها.

كان أكثر من لم يرحب بقدومه هما الطالبين الجالسين بجواره، لكن كان المقعد مريحا أكثر بطالبين، أما الآن فيتوجب أن يحشروا نفسهم معه في مقعد لا يتجاوز طوله المتر وأن يضعا حقيبتهما على الأرض بدل من وضعها في المكان الذي جلس هو فيه. كانت علامات الامتعاض واضحة على وجهيهما، إلا أنه ليس باليد حيلة، فللأسف كان طوله المقارب لطولهما مناسبا للجلوس في أحد مقاعد الصف الرابع من الأمام وكانت المقاعد الأخرى جميعا تحوي ثلاث طلاب.

كانت المدرسة قد أخذت وضعت أعواد غزل الصوف على الطاولة بعد أن تكلمت بشيء من العصبية مع المديرة التي طلبت منها ضم الطالب الجديد إلى صفها رافضة المزيد من الطلبة فقد طفح بها الكيل إلا أنها وافقت أخيرا على مضض. كانت قد أمضت العشرين دقيقة الماضية تغزل الصوف بجانب المدفأة الكهربائية المخصصة لها بهدوء بعد أن طلبت من التلاميذ رسم لوحة عن منجزات الحركة التصحيحية في حصة الرسم. كان الجميع يرسم بهدوء دون أن يسمع في الغرفة غير أصوات أقلام الألوان ترتطم بسطح المقعد عند تبديل واحدها بآخر أو أصوات برايات الأقلام ونفض بقايا محي الخطوط من اللوحات، كانت تلك الأصوات المتكررة تغطي على صوت صرير الأقلام، بل ربما لم يعد هناك للأقلام من صرير بعد أصبحت تصنع من البلاستيك، وبعد أن أصبحت جودة القلم لا تصمد أمام قوة الضغط عليه فينكسر قبل أن ينطق بأي لفظة صرير. كان الجميع يرسم باهتمام، فلم تكن تلك المرة الأولى التي تطلب منهم معلمة رسم لوحة عن منجزات الحركة التصحيحية. لقد كانت اللوحات محفورة في مخيلتهم بأدق التفاصيل بدءا من عدد عنفات سد الفرات، إلى الخطوط البيضاء المقطعة في وسط الطرقات المعبدة، مرورا بعدد الكبلات الكهربائية المعلقة على أعمدة الكهرباء التي نورت القرى والمدن حتى وإن لم تراها أعينهم من .

فتحت المعلمة دفترها الذي تكتب فيه ملاحظات عن الطلاب لتسجيل معلومات الطالب الجديد، صحيح أن عدد الطلاب في الصف قد زاد إلا أن وقت عيد المعلم لم يكن قد حان بعد، وهذا يعني هدية زائدة عما سبق. "لا مشكلة، المهم أن تكون تكون هدية عليها القيمة!" قالت المعلمة لنفسها وهي تسطر سطر جديد فارغ في الدفتر لتسجيل معلومات القادم الجديد. "قوم وقف!" قالت المعلمة بصوت عالي متوجهة للطالب الجديد. فرفع الجميع رأسه من اللوحات موقفا تمرير الأقلام عليها ناظرا إليه. "شو اسمك؟" سألته وهي تعيد نظرها إلى الدفتر واضعة القلم على أول السطر، "حسين"، جرت عمليات الحساب سريعا في رؤوس الطلاب، لقد كان هذا ثالث طالب اسمه حسين في الصف، سيكون من المتعب الآن التمييز بينهم فقد كان أحدهما ينادى باسمه والآخر بلقبه للتمييز بينهما، يبدو أننا يجب أن ننادى الجديد بلقبه أيضا. "وكنيتك؟" تابعت المعلمة دون أن ترفع رأسها من على الدفتر، "حسين" رد الطالب واضعا حسابات زملاءه للاسم المناسب له في حيرة كبيرة وراسما البسمة على وجوه آخرين وهم يتمتمون كلمة "حسنين، حسنين...".

تابعت المعلمة كتابة المعلومة تلو الأخرة منه عن اسم أبوه ولكن ليس اسم أمه، سنة ميلاده، وغيرها حتى وصلت إلى المعلومة التي تهمها شخصيا أكثر من أن تتعلق بأي شيء يهم العملية التعليمية، مهنة الأب. "بس ما يكون أبوه بشتغل بياع صابون كمان، لسا ما خلصو الصابونات من العام الماضي!" رفعت نظرها وحدقت فيه سائلة "شو بشتغل أبوك يا حسين؟" لم تكن المعلمة تنتهي من سؤالها حتى برقت قطرة العرق على طرف حاجبه واحمر وجهه، وفكر في نفسه "يا ربي، سمعت أنو هاي المدرسة أحسن من الماضية؟ بس الظاهر كلو متل بعضو!" ولم يكن قد انتهي من أفكاره إلا وكانت المعلمة تعيد السؤال بحدة أكثر من المرة الأولى "شو ما سمعتني؟ شو بشتغل أبوك؟" تلفت مرة أخرى من حوله محاولا تجاهل السؤال أو على الأقل محاولا تجاهلا متمنيا أن المعلمة لديها من يكفي من الذكاء لفهم تعابير وجهه الممتعض ولم يكن يذهب بعينيه بعيدا إلا أن وقعت على وجه يعرفه، بل يعرفه جيدا، لقد شاهد ذلك الوجه السنة الماضية في مدرسة ما. ولم تكن تمر اللحظة حتى علت بسمة تمتزج فيها السخرية بعلامات النصر على ذلك الوجه وهو يقف متوجها إلى المعلمة قائلا "أبوه لحسنين بشتغل في غسيل الأموات."

الأربعاء، 24 فبراير 2010

سكرات موت خلية

مضت الأشهر الثلاثة بسرعة منذ أن ولدت . لحظة ولادتها لم تكن تعلم أين أو ما هي أو إلى أين تتوجه أو ما يجب أن تعمله. كل ما تذكره هو أنها كانت محاطة بآلاف من مثيلاتها يتحركون من حولها دون كل أو ملل ودون أن تعرف ما الذي يفعلونه. بعضهن يكبرها حجما والبعض الآخر يختلف عنها لونا، إحداها قد خدش غلافها وأخرى عليها لطخة سوداء إلا أنهن كن يتلقين السكر ذاته، والأكسجين ذاته والأملاح ذاته، بعضهن يقربن من وعاء دموي فيأخذن حصة من الغذاء أكثر من غيرهن إلا أن ضغط تيار الدم الذي يتعرضن له كل عدة ثوان كفيل بإسقاطهن قتلى قبل شهر على الأقل من عمرهن المتوقع.

تذكرت أنها وقفت بعد ولادتها لعدة ساعات تفرك عينيها وتنظر حولها متأملة ذلك العدد الهائل من نظيراتها قبل أن تنظر إلى الأعلى لترى خلية تشبهها إلى حد بعيد حجما ولونا وشكلا إلا أنه قد بدى عليها الهرم، ضحكت لها قائلة "لقد تعبت كثيرا من عملية الانقسام لكني سعيدة لكونك هنا بجانبي، هاك بعض السكر الأحادي" وتناولت جزيئا من الغلوكوز ووضعته على غلافها الخلوي. لا زالت تذكر حلاوة السكر وهو يتسرب داخلا إلى أعماقها منحلا في سوائل جسدها. تبعت الفيتامينات والأكسجين والأملاح الغلوكوز، كان لكل منها طعما مميزا، ومع أنها كانت تفضل الغلوكوز بشكل أكثر من غيره إلا أنه لم يسمح لها بأخذ أكثر من حصتها.

لا زالت تذكر عندما شعرت بعد عدة أيام بشيء يتحرك داخلها، شيء جديد يتشكل أو يكبر أو يغير شكله، لم تكن تعلم أنه أدينوسين ثلاثي الفوسفات الذي يخزن طاقتها. لقد بدأ جسمها بالنمو وأصبح أكثر قوة من قبل وبدأت بالحركة تمددا وتقلصا مزعجة جيرانها بقفزاتها الطفولية. تذكرت كلمات نصفها الآخر الهرم "لقد أصبحت جاهزة للعمل!" وبدأت تعلمها كيف تحرك جسدها صعودا وهبوطا مثل الجميع بالتوقيت ذاته وبتناغم. تعثرت في البداية إلا أن ضغط جيرانها عليها شدا ودفعا بدأ يدفع بها شيئا فشيئا لتناغم تحركاتها مع الآخرين. كانت خلية فتية مليئة بالنشاط والطاقة، تتحرك برشاقة وحيوية ناشرة الأمل في جيرانها بقوة دفع جديدة للمجموعة.

لا زالت تذكر عندما رأت أول خلية دم حمراء تجري مسرعة في الوعاء الدموي حاملة معها كرات الأكسجين النقية، لقد كانت مختلفة تماما عنها. إلى تلك اللحظة كانت تعتقد أن جميع من حولها يشبونها مع وجود الاختلاف بينهم، إلا أنها لم تتكن تتصور لوهلة أن هناك من يتحرك بكل تلك السرعة. لقد كانت السرعة التي تتحرك بها خلية الدم الحمراء تعادل ملايين أضعاف السرعة التي قد تتحرك هي بها هذا إن تمكنت من التزحزح من مكانها أصلا. ذلك المكان الضيق بين نظيراتها الذي لا يكفي لأكثر من حركات التمدد والتقلص التي تكررها ليل نهار بتناغم مع الجميع. تأثرت بكل خلايا الحمراء تلك التي هناك، إنها ليست بعيدة مني إلا أن عملها يختلف كثيرا يبدو أن ما تفعله مسليا أتمنى أن أتمكن من الحركة بسرعتها.

لا زالت تذكر كيف بقيت عدة أيام تراقب خلايا الدم الحمراء وتتعلم كيف تتحرك إلا أنها لم تتمكن من التزحزح من مكانها أو أن تمنع نفسها من التقلص والتمدد كما يفعل زملائها. إلا أن اليوم قد حان لتقرير المصير، وفي لحظة صمت شدت نفسها بقوة بقوة أكبر من أي تمدد قامت به سابقا محاولة انتزاع نفسها من بين أقرانها، فشلت المحاولة الأولى إلا أنها حاولت من جديد التخلص من ارتباطها مع الآخرين لتنطلق في مجرى الدم كما تفعل خلايا الدم الحمراء وما كادت أن تنجح في ذلك إلا وكان من حولها يمسك بها دافعا من جديد إلى النسيج المتجانس، وسمعت أصواتا قائلة "بحق الآلهة، ما الذي تفعلينه؟ هل فقدت صوابك؟" "أنت لست كرة دم حمراء، أنت لديك نواة في داخلك، أنت خلية عضلية" "هل تريدين التخلي عنا والرحيل؟" "أنت مخصصة للتقلص والتمدد ولن تقدري على حمل الأكسجين والركض به طول الوقت" وتعالت الهمسات بين زملائها، تلك الهمسات التي كان ثقلها أكبر من قوة الشد التي دفعت بها إلى النسيج العضلي من جديد.

لا زالت تذكر عند أول انقسام لها، لقد كانت أحضرت خلية فتية جديدة أحبتها كثيرا، إلا أنها كانت لم تزل تحتفظ بحلمها الذي لن تستطيع تحقيقه، لكنها فكرت في أن تلك الخلية الفتية قد تستطيع فعل ذلك. وعندما بدأت الخلية الفتية بالحركة تذكرت كيف سارعت للأخذ بها وإطلاعها على مجرى الدم قائلة لها "إن هناك 100 ترليون خلية غيرك في هذا العالم، كل منها له عمل وحلم غير الأخرى، البعض متشابه ويعمل الشيء ذاته، وآخرون يعملون أشياء مختلفة" تنهدت وتابعت قائلة "لقد ولدت وعندي 23 زوج من الصبغيات هي ذات التي عندك، إلا أن من حولي لم يعلمني إلا ما يعلم، أكرر ذات الشيء ليل نهار دون أن أعلم لماذا يجب علي أن أفعل ذلك. أما أنت فما زلت فتية، صحيح أن لديك ذات عدد صبغياتي وتشبهيني ولكن تذكري أن هناك غيرك هنا وتستطيعين أن تفعلي ما تريدين وليس ما يريد الآخرون" لم تفهم الخلية الفتية ما قيل لها ذلك الوقت، إلا أنها بقيت تراقب خلايا الدم الحمراء وهي تتعلم كيفية التمدد والتقلص كزملائها. إلا أنها في ذات ليل وبعيدا عن الأنظار ألقت بنفسها في مجرى الدم دون عودة، وأصبحت منذ ذلك الحين حديثا لخلايا النسيج العضلي "ياللهول! أحدنا لم يعد خلية عضلية، لقد أصبحت خلية دم!".

لقد قاربت اللحظات الأخيرة على القدوم وهي تعيد كل تلك الذكريات مرة أخرى. لقد مر الوقت بسرعة، والحلم لم يتحقق! أمضت عمرها تتحرك بتناغم مع الآخرين، دون أن تعلم إلى تلك اللحظة لماذا يجب عليها فعل ذات الشيء كل يوم فقط لأن الآخرون يفعلونه. وكانت البروتينات داخلها قد بدأت بالتحلل إلى حموض أمينية عندما اقتربت منها خلية دم حمراء حاملة لها كرة من الأكسجين، لم تعد قادرة على الكلام في ذلك الوقت إلا أن نظرها المتلاشي مع تلاشي الحياة في أرجاء جسدها كان كافيا لتمييز أن خلية الدم تلك لم تكن كباقي الخلايا الأخريات، لقد كان لها نواة تشبه نواتها.

الأربعاء، 27 يناير 2010

آذان ومآذن

ربما يكون الموضوع متأخرا، لكنه جاء في الوقت الذي آنت فيه لقطرات الندى أن تتجمع لتصبح قطرة لتسقط مطلقة صوت ارتطامها بالأرض، قد لا يكون بالصوت العالي لكنه يكفي لإلهام البعض ذوي الآذان المرهفة لكتابة بيت من الشعر .

ذات الآذان المرهفة التي تكتب أبيات الشعر على صوت قطرات الندى، ستكون من كل بد صاغية لأصوات نواقيس المعابد وأجراس الكنائس ومآذن المساجد التي تصدح كل يوم في كل مدن الدنيا. إلا أن ذات الموجات الصوتية التي تولد قطرات الندى وتلك التي تولد أصوات الدعوة للآلهة لن يكون لها المعنى ذاته لآذان الشاعر المرهفة. فأذنه المرهفة اعتادت سماع الأصوات التي لا تريد أن لها أن تسمع، فقطرة الندى لا تصدر الصوت لأنها تريد أن تسمع الجميع، بل ذلك الصوت قد يكون هو أسوأ ما تتوقعه كنهاية لمرحلة من حياتها عند انتقالها من نقاوة السماء إلى خبايا الأرض لتسري عائدة في عروق الشجرة التي كانت على أوراقها قبل برهة أو لتغوص عميقا إلى حيث لا يدري بها أحد، يا ترى هل ستعود كقطرة ندى مرة أخرى؟ أم أنها ستصبح قطعة ثلج تروي عطش الداعي للإله في حر الصيف مع أنه لم يتكبد عناء تسلق برجه الذي يعلو عشرات الأمتار كما فعل أجداده قبل أن يعبث فرانكلين بطائرته الورقية ويحضر إلينا كهرباء رعد السماء ليدير مسجل الصوت للمرة الثالثة منذ الصباح لإصابته بالزكام في ذلك اليوم.

فرانكلين هو ذاته من اخترع واقية الصواعق التي تقي داعي الإله من الموت متفحما تحت ظلال برجه إن كان مزاج السماء معكرا وقررت أن تفرغ ما خزنته من طاقة الرعد فوق مبنى معماري من الأسمنت المسلح هو من أعلى النقاط في المدينة. لم يكن فرانكلين ليحتاج لاستخدام مانعة صواعقه لو كانت كل المباني تصنع من الخشب والحجارة كما كانت قبل زمن مكبرات الصوت والأسمنت المسلح، الذي تكبد فيه أجداد صاحبنا الداعي تسلق عشرات الدرجات لإرغام شاعرنا المسكين على سماع أصواتهم والتغطية على صوت فناء قطرة الندى، إلا أن فرانكلين هو من يجب أن يلام على تعكر مزاج شاعرنا، فهو من اخترع ما يوصل الأصوات إلى آذانه، وهو من حمى تلك الأبراج لتزداد علوا لتذكر شاعرنا بأن أصوات قطرات الندى لن تسمع عندما يود سماعها بل فقط عندما يصمت الآخرون أو يصابون بالزكام عندما تكون الكهرباء مقطوعة.

 
Free counter and web stats