الأربعاء، 26 أغسطس 2009

التعليم الموازي خدمة للطلاب أم طبقية اجتماعية؟

وصلني يوم أمس هاتف من أحد أقربائي يستشيرني في مفاضلة ابنه الذي أتم مرحلة دراسته الثانوية، ويستعد لدخول الجامعة. يبدو أن مجموعه يؤهله دخول أحد الكليات التي يطلق عليها المجتمع للأسف اسم "الكليات المحترمة" (والتي يتصور الكثير أنها تنتهي مع انتهاء كلمة الهندسة في لائحة الكليات في ورقة المفاضلة العامة)، إلا أنه يطمع إلى دخول أحد "الكليات الذهبية" الأربع في مقدمة المفاضلة وإن كلفه الأمر دفع رسوم التعليم الموازي. لم تكن مسميات مثل التعليم الموازي والتعليم المفتوح والجامعات الخاصة وغيرها موجودة على أيامي، إلا أن اطلاعي على الموضوع ربما كان كافيا لنصحه من حيث رأيي الشخصي بعدم التوجه إلى التعليم الموازي.

بعد بحث قصير تبين أن التعليم الموازي هو نظام وضعته وزارة التعليم العالي منذ العام الدراسي 2002/2003 والذي كان قد طبق في بعض الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية حيث يدرس الطلاب التابعين جنبا إلى جنب مع الطلاب المقبولين بالمفاضلة العامة ولكن برسوم أعلى (تصل إلى عشرات الأضعاف حسب علمي) مقابل التسامح في بعض العلامات من مجموع الثانوية العامة.

من وجهة نظر وزارة التعليم العالي فهو "بزنس" كبير يدر الذهب، حيث يتم حجز نسبة (أخالها تصل إلى 15 - 20 %) من عدد مقاعد كل قسم لطلاب التعليم الموازي وإدخالهم برسوم عالية دون أن يتطلب منها ذلك أي زيادة في البنية التحتية للكليات (حيث أن عدد الاستيعاب لا يزيد عموما) بل يكون على حساب نسبة الطلاب الذين لا يستطيعون دفع رسوم التعليم الموازي والذين تكون علاماتهم على الأرجح مساوية لعلامات من حصل على مقاعد التعليم الموازي في تلك الكلية، وعلى حساب أعضاء الهيئة التدريسية الذين سيتلقون طلاب ذوي درجة تحصيل أدنى من المعدل الذي كان موجود سابقا مما يحملهم بأعباء نسبية (ربما تكون غير ملحوظة وغير مقاسة كميا) ولكن بالمقابل رفع المدخول لأعضاء الهيئة التدريسية قد يؤدي إلى سد تلك الفجوة. أما من وجهة نظر فلسفة التعليم، فإن نظام كهذا سيكون محققا لأهداف وزارة التعليم العالي في تحقيق العدل في التعليم للجميع وذلك بمساعدة الطلاب الذين تنقصهم بعض العلامات بسبب أو بآخر وذلك قد لا يعكس مستواهم الدراسي الحقيقي على دخول الكلية التي يرغبون بها، إلا أن ذلك سيكون تحقيقه بشكل واقعي أكبر إن تم توسيع عدد المقاعد الدراسية للكليات لهؤلاء الفئة من الطلاب وليس حجز نسبة من المقاعد الحالية على حساب طلاب المفاضلة العامة.

من وجهة نظر الطالب فلدينا ثلاث حالات (حالات عامة قد لا تنطبق على الجميع) :
* طالب مسجل بالكلية دون تعليم موازي، سينتابه الشعور بالفوقية على طلاب التعليم الموازي وذلك لاعتبار نفسه (لا شعوريا) بأنه متفوق دراسيا عليهم وأنهم دخلوا الكلية بسبب النقود
* طالب مسجل بالكلية بنظام التعليم الموازي، سيشعر بالتمييز والتفرقة بين زملائه بسبب مشاعر الطلاب من الفئة أعلاه، ولكنه من ناحية أخرى قد يشعر بالفوقية بسبب قوة الحالة المادية له التي مكنته من الحصول على مقعد في الكلية التي يرغبها
* طالب لم يستطع التسجيل بالكلية تنقصه علامة واحدة (وكان سيستطيع التسجيل إن لم يتم حجز 20% من المقاعد لنظام التعليم الموازي) : سيشعر بالسخط على المجتمع وعلى وزارة التعليم العالي الظالمة التي وضعت هذا النظام الذي هضمه حقه مقابل ملئ جيوب الوزارة، كما سيشعر بالسخط على أهله وحالتهم المادية البسيطة التي لم تمكنهم من دفع رسوم التعليم الموازي له ليدخل الكلية التي يحلم بها، بالإضافة إلى ذلك فإن سيصبح من فئة الطلاب الأولى أعلاه في كليته التي يسجل بها بالشعور بالتفوق على طلاب التعليم الموازي هناك وتتكرر الحلقة نزولا بين الفئات الثلاثة للطلاب.

من وجهة نظر أهل الطالب، سيكون الوضع مشابها لحالة الطلاب، بأن يشعر أهل الطالب الميسورين ماديا الذي استطاع التسجيل في التعليم الموازي بقدرتهم على "شراء" أي مقعد في الكلية التي يرغب بها ابنهم بالنقود، أو أن يكدح أهل الطالب من الطبقة المتوسطة لتأمين أقساط الجامعة المرتفعة مقابل حصول ابنهم على أفضل مستوى تعليمي (بنظرهم)، أو أن يشعر أهل الطالب من الطبقة الفقيرة بالنقمة على المجتمع الذي يضع النقود دائما حاجزا للتمييز بين الناس حتى في أمور العلم والمعرفة التي يفترض أن تكون متاحة الفرص للجميع.

الآن يبقى المجتمع الذي سيكون ببغاءا لأحاديث أنواع الأشخاص المذكورة في الأعلى و يترقب نتائج المفاضلة ويبارك لزيد على دخوله كلية أحلامه ويرطب خاطر عمرو لعدم توفقه في الحصول على مقعد ذهبي في الكلية التي كان يحلم بها أهله طوال سنوات دراسته الاثنتي عشر.

هناك تعليقان (2):

  1. بعض الأفكار:
    1. لا تعكس امتحانات الشهادة الثانوية معدل ذكاء المرء واستعداده لفرع بعينه دون آخر. ولا يمكن اعتبار التعليم الموازي حلاً لقصور آلية وضع الأسئلة وتخطيطها
    2. قرأت التعليم الموازي بطريقة: قبل أن يكون التعليم الموازي كان الطلاب يعيدون تقديم الشهادة الثانوية وأغلبهم يفوزون بما يريدون من خيار، التعليم الموازي لا يعطي امتيازاً لمن لا يستحقونه مقابل المال ، بل هو يقلص سنة الانتظار هذه.
    3. ماهي خيارات الطالب ميسور الحال، قبل التعليم الموازي؟ الدراسة بالأردن أو لبنان ؟ لم لا تستفيد الوزارة من هذه الاموال مقابل بقاء الطالب بين أهله وبالتالي تحسن أداءه الدراسي الجامعي.
    4. ربما دفع البدل النقدي لمن هم موسومون بخدمة ثابتة في خدمة العلم يكرس الطبقية في التعامل مع الناس (ولو أنه خارج الموضوع) ، وقتها سيخرج من الخدمة من هم يملكون البدل ويبقى من لا يملكه في الخدمة، بهذه الصورة: لا خدمة للأغنياء نرتكب خطأ لينكولن من جديد بفارق مئة سنة

    ردحذف
  2. بصراحة قرأت التدوينة ولم أفهم لم عليه ان لا يذهب للتعليم الموازي؟
    من اجل احتمالية وقوع مشاعر فوقية وما الى ذلك؟ هذه المشاعر ليست محاطة بأسوار الجامعة، قد اشعر بها وانا في الميكرو و فتاة اخرى تقود سيارة ، ماذا افعل عندها؟ ابقى في المنزل ولا استخدم المواصلات حتى لاتنتابني هذه الأحاسيس؟
    ومن ثم سبقني الأخ يوراميوم، قبل اخترع التعليم الموازي في سوريا و افتتاح الكليات الخاصة، اين كان هؤلاء الطلاب يدرسون؟ اما في روسيا او في الأردن، فلتستفد منها الوزارة أذا، و ليبقوا في بلادهم بدل ان يهاجروا و هات يرجعو وهات ما يرجعوا ..!
    برأيي من الجيد تحسين رواتب المحاضرين ولو على اكتافهم، انت كما تعلم سوريا هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط و الخليج العربي التي تؤمن التعليم العالي بأسعار رمزية.
    عني اعتقد ان من يستطيع ان يؤمن لابنه او ابنته تعليم في كلية تابعة للدولة ، كخطوة اولى نحو الدراسةالأكاديمية فليذهب اليها .
    مودتي

    ردحذف

 
Free counter and web stats