الخميس، 27 أغسطس 2009

المفاضلة العامة، تلك الكذبة الكبيرة

كتبت تدوينتي السابقة ولم يكن في حسباني شيء إلا تسليط الضوء على رأيي في وجود نوع من الطبقية الاجتماعية في طيات نظام التعليم الموازي الذي كما أسلفت لم أعاصره وقد تبقى وجهة نظري قاصرة عن بعض جوانبه سواء تلك السلبية أم الإيجابية.
إلا أن تعليقات القراء مشكورين سلطت الأضواء على جوانب غفلت عن ذهني أثناء كتابة الموضوع، وأكثر ما شدني هو عبارة "ماهي خيارات الطالب ميسور الحال، قبل التعليم الموازي؟" من uramium وعبارة "لم أفهم لم عليه ان لا يذهب للتعليم الموازي؟" من أمنية.

قد يتقبل المجتمع السوري اليوم نظام التعليم الموازي على أنه حل للطالب من أبناء الطبقة الميسورة وذلك عوضا عن سفره للدراسة في الخارج وبالتالي وجود احتمال كبير لخسارته من البلد أو تعرضه للمتاعب في الغربة أثناء دراسته؟ أتساءل هل هذا حقا هو السبب الحقيقي وراء نظام التعليم الموازي، "توطين الطلبة؟" بمراجعة صفحة إحصاءات المغتربين في موقع وزارة المغتربين نجد أن عدد المغتربين السوريين حاليا هو 981000 مغترب، أي ما يشكل حوالي 5 % من عدد السكان وهي نسبة أكبر بكثير من عدد جميع من يتقدم لامتحانات الثانوية العامة لعدة أعوام مجتمعة، ثم هل يهمنا حقاً بقاء الشباب في سورية؟ إذا ما الذي يفسر وجود أكبر نسبة من المغتربين من الطبقة العمرية في العشرينات والثلاثينات من العمر؟ طبعا كلنا يعلم السبب.

على العموم موضوع الاغتراب خارج عن نطاق هذه التدوينة. السؤال المطروح هو "هل نحن بحاجة للتعليم الموازي؟" البعض والكثير منهم من الطلبة قد يجاوب "نعم" وهي وجهة نظر أحترمها، لكن أتساءل "لماذا؟" سيكون الجواب بطبيعة الحال "لأحصل على مقعد في كلية أفضل؟" وهنا يبدأ موضوعي الجديد، "ما الذي يحدد الكلية الأفضل من الكلية الأسوأ؟"

ما يحدد "الكلية الأفضل" و "الكلية الأسوأ" في وجهة نظر المجتمع السوري هو ترتيب الكليات حسب مجموع المرحلة الثانوية في ورقة "المفاضلة العامة". كما تعلمون منذ عقود تتربع الكليات الذهبية وهي كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة على عرش تلك القائمة يليها كلية الهندسة المعلوماتية وهذه الكليات الأربع يعدها الكثير الهدف الأسمى لأي طالب في المرحلة الثانوية، تمتد القائمة لتأتي الكليات الفضية والتي تتضمن الهندسات بفروعها بدءا بالهندسة المدنية ونزولا حتى الهندسة الزراعية، تليها كليات المرتبة الثالثة التي تتضمن الحقوق والآداب والاقتصاد و .. و .. و تطول القائمة لتبدأ المعاهد المتوسطة ... حتى آخر القائمة.

لن أخدع نفسي أو أخدع الآخرين بالقول أني كنت خارج إطار المجتمع السوري عند اختيار الفرع الذي أمضيت فيه فترة دراستي الجامعية الأولى، وأني سجلت رغباتي في المفاضلة وفقا للترتيب في الأعلى، لكن والآن وبعد تمرس في المجتمع ورؤية الأنظمة التعليمية في الدول الأخرى بدأ يتضح لي سوء نظام المفاضلة العامة ذلك.

في الاعتقاد العام السائد في المجتمع السوري أن ذلك الترتيب هو ترتيب يتعلق بالمدخول المادي للخريج واحتمال تأمين فرصة عمل مستقبلية بعد التخرج، لذلك تكون المهن الصحية والتقنية في أعلى القائمة بينما تكون المهن الخدمية في منتصفها وأسفلها. طبعا هذا الاعتقاد قد يكون صحيحا في الجزء الأكبر منه خاصة إن أخذنا في عين الاعتبار الوضع العام السائد في سورية، إلا أنه ليس بالمطلق.

شخصيا أعتبر أن المبدع في أي مجال يستطيع أن يفيد المجتمع وأن يحقق دخلا أكثر من أي طبيب أو صيدلي أو مهندس، سواء كان ذلك المبدع أستاذا أو محاميا، أو رساما أو عازف قانون أو محاسبا أو نجار باتون ... الخ. قد يقول لي أحدهم، "اصح يا أخي، أنت لست في مدينة أفلاطون الفاضلة؟" ولكن هل تضمن أيها السائل العزيز أن كل الأطباء الخريجين من كلية الطب سيكونون في خدمة المجتمع وأن دخولهم ستكون من أعلى الدخول و أن لا يكون أحدهم مثل هذا الطبيب؟ من فرض أن يكون الأطباء هم من الطلاب الأكثر نشاطا دراسيا (وذلك بسبب طلب المجموع العالي لعلامات الثانوية) عن غيرهم؟ من هم أكثر من يخلد التاريخ أسمائهم، هل هم الأطباء والصيادلة والمهندسين، أم علماء الرياضيات والفنانين والأدباء؟

شخصيا لا أدعو إلى إلغاء نظام المفاضلة العامة، لأنه وللأسف أفضل الحلول الموجودة في الوضع الحالي، إلا أني أدعو المجتمع إلى تغيير وجهة نظره حول أهمية كل اختصاص جامعي وعدم الانخداع بهالة الكذبة الكبيرة لترتيب الكليات في ورقة المفاضلة العامة، بل أن يتبع الطالب ميوله واهتماماته قبل التفكير بأي أحلام وردية عن مستقبل بصدرية بيضاء، وجيوب ممتلئة بأوراق خضراء اللون سحبها من جيوب المساكين، أو قبل أن يحلم بمستقبل تلمع فيه مسطرة رسم هندسي التي سيسطر بها بناء سيتداعى على رؤوس سكانه قبل أن يأتي الزلزال الموعود.

هناك 5 تعليقات:

  1. ولهلأ مالي فاهمة لم ليس عليه ان يذهب للتعليم الموازي؟ :)
    هل انت ضد لهاث الشباب السوري نحو هذه الفروع"الذهبية" بحد ذاتها ام ضد أخذ اموال مقابل أن يلتحق الطلاب بهذه الفروع أم ضد آلية التعليم الجامعي ككل في سوريا؟
    اولا :تعداد المغتربين الذي اوردته موجود من قبل وجود التعليم الموازي ، متى تم اختراع التعليم الموازي؟ وكم أثر هذا على عدد المغتربين.؟
    ثانيا : كثرة هجرة الشباب السوري يعود اولا لموضوع العسكرية ، و ثانيا لأيجاد مدخول أفضل و ثالثا لأكمال التعليم.
    ثالثا : هل نحن بحاجة للتعليم الموازي؟ هل نحن بحاجة لأن يقوم طالب بدفع مبلغ ما لقاء ان يلتحق بلكلية التي يحلم؟ اعتقد انها حل بغيض لكن عندما ستعود للطالب نفسه سيقول لك احسن ما أعيد السنة و احسن ما أدخل فرع ما بدي يا..
    ثالثا : ليس فقط المجتمع السوري الذي ينظر بعين الاشتهاء ليكون ابنه او ابنته ملتحقين بأحد الفروع "الذهبية" اعتقد ان المجتمعات كلها تنظر بنفس الطريقة، ولو كانت هذه المجتمعات الاوربية لديها مجانية التعليم لهذه الفروع ، لوجدت الجميع قد دفشوا ابنائهم ليدخلوها كما يحدث هنا.
    نعم الابداع ليس شيء مقصور على الطب والهندسة و ليس كل من درس الطب و الهندسة ابدع و الحال نفسه على باقي الفروع. ولكن لا اعتقد ان التاريخ خلّد اسماء علماء الرياضيات و الأدباء اكثر من تخليده لعلماء الطب والهندسة .
    يلي فهمته من اخر فقرة انك انت ضد لهاث الشباب السوري نحو هذه الفروع ، هي بالفعل حلم كل طالب لكن كم نسبة من يصل ؟
    الشباب السوري دائما سقف احلامه عالية، وهذا شي جيد.
    مودتي

    ردحذف
  2. أشكرك على التعليق، وعذرا إن خيبت آمالك =_=

    "هل انت ضد لهاث الشباب السوري نحو هذه الفروع"الذهبية" بحد ذاتها ام ضد أخذ اموال مقابل أن يلتحق الطلاب بهذه الفروع أم ضد آلية التعليم الجامعي ككل في سوريا؟"
    * ضد الثلاثة مع بعض. من لديه المال فالتعليم الخاص موجود، إما أن يذهب إلى هناك أو ليفتح جامعة جديدة بأمواله :)

    " الشباب السوري دائما سقف احلامه عالية "
    هذا أيضا أكثر ما يعجبني في الشباب السوري :)

    ردحذف
  3. لاه لاه
    انت تفضل الجامعات الخاصة التي تفتح في سوريا على جامعات دمشق؟
    لا يازلمة انت غلطان ، هالكليات يلي عم تفتح لساتها "بيبي" في المجال الأكاديمي، وانا اجزم انها شهادات عالفاضي، ولسا بدهم كتير ليصيروا.و لااعتقد انه معترف فيها دوليا فيما ازا احب احدهم متابعة تحصيلهم الأكاديمي.

    سلام

    ردحذف
  4. هلق أمنية إذا بدنا نحكي عن الجامعة بغض النظر عن أنواع الطلاب ، عن الجامعة كإدارة وكمناهج وككادر؟
    الكوادر ، هي نفسها الموجودة بجامعة دمشق بنسبة كبيرة أغلبهم هربان عالرواتب العالية والباقي معيدين متميزين.
    المناهج: من أبرتها ، مو مثل مناهج جامعة دمشق اللي الفدائيين من الدكاترة فقط بيحاولو أنو يواكبوا التطور فيها.
    الإدارة : تدير الجامعة كمؤسسة ربحية فبيحاولوا أنو تكون إدارتهم على أفضل ما يكون.
    المهندس والدكتور اللي مو قد حاله وعم يدور ورا تمرين وتطوير نفسه ودمجها بمجتمع اختصاصه عم يطلع حمار من الجامعة، على الأقل الجامعة الخاصة عم تعطي منهجياً وتدريسياً فرصة للي حابب يكون قد حاله.

    ردحذف
  5. أنا مع المقالة تماماً.. وضد أمنية بموضوع أنو كل المجتمعات لها نفس اللهاث للكليات الذهبية...

    بالعكس تماماً.. الموضوع عنا نتيجة وضع سوريا كدولة نامية..ونتيجة قرارات ماضية بالتوظيف التلقائي للمهندسين (وإيام زمان كانت الوظيفة شغلة محترمة) والمردود المادي الذي كان جيداً للأطباء كون عددهم كان قليلا وكون أغلبهم كان يختص في الخارج

    هلق بطلو يوظفو المهندسين..والأطباء صار معظمهم عم يختص بمشافينا نفسها .. وعينكم تشوف...

    المهم أما عن برا وهون بقصد دول العالم الأول وزبدة دول العالم التاني.. فيتم الاختصاص فقط على أساس حب الشخص للمهنة أو رغبته بالاتجاه ضمن مسار معين..
    بيصير الموضوع ما هوي دخول الاختصاص الأفضل بقدر ما هوي اختيار الجامعة الأفضل.. اسم الجامعة بيصير إلو كلمة بسوق العمل..

    أنا ما ضد التعليم الموازي ...شرط أن ينعكس ذلك على أداء الجامعة العلمي..وزيادة عائدات دكاترة الجامعات ...بالأخير الطالب الجيد بتضل فرصو محفوظة .. عن طريق منح الجامعة نفسها التي ترغب بجذب أفضل الطلاب..

    بس المشكلة الحقيقة اليي شفتها.. هيي مو بالقوانين..هيي مشكلة نفسية بالإنسان بحد ذاتو..

    رح أذكرلك هو مثال دكاترة الجامعات اللذون كانوا يشتكون قلة الرواتب.. وأنها السبب اللذي يمنعهم من التفرغ للعلم...
    زادت رواتبهم بشكل كبير في الفترة الأخيرة.. ولكن السؤال هل زاد مردودهم... من ملاحظتي في الجامعة التي كنت أعمل بها مردودهم الضعيف بقي ثابتاً وتهربهم نحو الجامعات الخاصة بقي كذلك...

    المشكلة مو بالقرارات .. المشكلة بالإنسان..

    ردحذف

 
Free counter and web stats