الثلاثاء، 25 أغسطس 2009

تعديل دستوري

خيم الصمت على القاعة، أليس من المفترض أن يتكلم أحد هنا؟ أكثر من 300 شخص غرقوا في الصمت العميق، إلا أن بعض العيون كانت تتكلم بمفردها وهي مغلقة كي لا يسترق السمع إليها أحد، وكان البعض يصرخ ويصرخ عاليا إلا أن ملابس الشتاء السميكة التي لا تناسب حر الصيف كتمت ذلك الصراخ في داخله. البعض الآخر كان يفكر "يا ترى ما الذي سيحصل لبطل مسلسل السهرة اليوم؟ هل سيستطيع التقدم لخطبة حبيبته؟"، أحدهم كان يفكر بالذهب والورود والحرير، وآخر كان يحلم بالدم والسلاح والدموع.

نهض أحدهم رافعا يده، فأومأ له رئيس الجلسة آذنا له بالخروج. تنهنه آخر فتوجهت إليه عشرات الأنظار فانقلب لون وجهه إلى حمرة امتزجت مع سمرة رسمتها شمس الريف الحارقة فرفع كأس الماء إلى فمه محاولاً إخفاء تلك الحمرة في ظل الكأس الزجاجي العريض ما استطاع، واستغرق في شربة الماء إلى أن عادت الأنظار إلى ما كانت تفعل من ذي قبل.

"هل من معارض؟" صرخ رئيس الجلسة بصوت خافت إلا أن الأعوام التي أمضاها على ذلك الكرسي العالي كانت كفيلة بإسماع جميع الحاضرين هناك دون أدنى شك في ما يقول، إلا أنه لم يكد ينه عبارته إلا وكان الجميع قد عاد إلى ما كان يفعله، وعاد الصمت إلى القاعة إلا أنه في هذه المرة كان قد تخلله صوت خرزات مسبحة ذات الثلاثة والثلاثين خرزة تدور وتدور بين أصابع أحدهم والتي كان قد أحضرها معه من الحج في العام الماضي.

نهض أحدهم إلا أنه لم يرفع يده في هذه المرة. "ها هو ذو النظارات يقف مرة أخرى! الله يستر!" همس ذلك الذي كان يحلم بالذهب والحرير إلا أن همساته سمعها الكثيرين هناك. إلا أن صاحب النظارات لم يتفوه بحرف فقد كان يعلم أن صوته الخافت غير كفيل بإسماع من كان حاضرا هناك، فكرسيه كان منزويا ولم يكن قد تدرب على الحديث بصوت واضح من قبل، إلا أنه مرر ورقة كان قد أمضى الدقائق الماضية مطرقاً رأسه في كتابتها إلى مساعد الجلسة، الذي هرول بها إلى مكتب رئيس الجلسة.

رفع رئيس الجلسة نظاراته التي كان يستخدمها للنظر بعيدا مقطبا حاجبيه لقراءة الورقة التي قربها من وجهه، وبعد نصف دقيقة أعاد النظارات إلى مكانها وأنزل الورقة إلى مكتبه بعد أن همس في أذن مساعد الجلسة الذي أسرع عائدا إلى مكان الكرسي المنزوي لصاحب النظارات فهمس له بضع كلمات ثم خرجا سوية من القاعة.

"بما أنه لا معارض، فقد تم إقرار التعديل الدستوري الذي تقدمت به الحكومة مشكورة. رفعت الجلسة." قال رئيس الجلسة وبدأ بلملمة بعض الأوراق ورمي أوراق أخرى في سلة المهملات الموضوعة أسفل مكتبه أثناء تبادل بعض الكلمات مع كاتب الجلسة ومساعديه وبسمة خافتة تعلو وجهه.

بضع دقائق مرت قبل أن يُفتَحَ باب القاعة التي كانت قد فرغت من الحاضرين، ليدخل أحدهم ليلتقط حقيبته بيديه التي لا تزالا لم تجفا تماما بعد، وكان في طريقه للخروج من القاعة عندما لفت نظره وجود حقيبة أخرى متبقية على أحد المقاعد مع بعض الأوراق المنثورة على المقعد وبجانبها قلم منزوع الغطاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Free counter and web stats