الاثنين، 24 أغسطس 2009

كتاب القرائة

وقف ممسكا كتاب القراءة الذي لم يعد يشير إلى أنه كتاب قراءة إلا لون غلافه الكرتوني الأخضر وكلمة "القرائة" التي كتبها بخط يده مخطئا تهجئتها بعد أن تلفلفت حواف الكتاب الذي لازال في الخدمة منذ عهد أخيه الكبير الذي أصبح في سنته الجامعية الثانية، "طبع هذا الكتاب للمرة الأولى في العام 1981"، كان قد قرأ هذه العبارة عشرات المرات لأنها على الصفحة الأولى تحت الغلاف الكرتوني الأخضر، ذلك الغلاف الذي كانت قد اقتطعته والدته من أرومة تقويم العام الماضي وطلبت من صاحب المكتبة أن يخرزه بالكتاب بعد أن فاوضته على ثمن الخرزات لأكثر من ربع ساعة.

فاحت رائحة المازوت الجاف من الصفحة الصفراء بعد أن قلبها بإشارة من معلمه إلى أن زميلته السابقة كان قد أنهت قراءة تلك الصفحة، كان قد قدر لذلك الكتاب أن يمضي صيف العام الماضي في قبو المدرسة في أسفل ربطة كتب القراءة للصف الرابع الابتدائي ملامسا أرض القبو طوال حر الصيف، حتى عندما كان صنبور خزان المازوت ينقط على مهل في نصف قنينة مياه قديمة راميا برذاذه إلى مسافة نصف متر من حولها.

"لقد مر الأسبوع سريعا، هل انتهى دور جميع من في الصف وحان دوري في القراءة مرة أخرى؟"، "الجم..." صاح معلم الصف بصوت عال مساعدا له لبداية القراءة، كانت الكلمة أطول من أن يستطيع قراءتها دفعة واحدة، ذهب نظره مرة أخرى إلى الكلمات المكتوبة في أسفل الصفحة التي كانت أسهل للقراءة من النص المطبوع "اذهب إلى الصفحة 66 بانتظارك هدية"، كان قد ذهب هناك عشرات المرات، ثم إلى صفحة أخرى فأخرى تابعا الإرشادات فيعود من حيث بدأ.

سمع الأستاذ يقول مرة أخرى "الجم..."، فبدأ بالقراءة محمر الوجه "الجمعي..." وطرف نظره إلى زميله بجانبه الذي وضع عددا جديدا من ألغاز المغامرين الخمسة لقراءته تحت المقعد، "هل يقرأه حقا، أم أنه ينظر إلى الصور فقط؟" لم يقدر له التفكير سابقا بالنظر إلى أي كتاب آخر غير كتبه المدرسية المهترئة ومجلات الفنانات المرمية تحت كراسي الحديقة ليدرك أن ليس كل الكتب هي كتب بصور وألوان.

"الجمعية..." قال المعلم مرة أخرى وقد أصابه الملل، كان يريد الانتقال إلى من يجلس بجانبه لينهي النص دفعة واحدة قبل أن يقرع جرس الانصراف، إلا أن ضميره المهني لم يكن ليسمح له بإقصاء ضعيفي المستوى التعليمي. "الجمعية..." ردد بعد المعلم، "الجمعية الـ..."، هناك تذكر أن بعد غد هو يوم توزيع السكر في الجمعية التموينية، أرجو أن أكون آخر من يحصل على السكر في كيس القماش ليعطيني إياه موزع التموين، فأمي دائما تقول أن أكياس السكر تصلح كحفاضات جيدة للأطفال الرضع، صحيح أن السكر كان أصفر اللون، إلا أنه يحلي الشاي بكميات أقل من السكر الأبيض.

"الجمعية التعاونية الفلاحية التي ساهمت في التخلص من التسلط الإقطاعي على الفلاحين هي مكرمة من مكارم الوطن" أكمل المعلم القراءة سريعا وهو يغلق الكتاب حاملاً إياه وهو يتوجه خارجا من الصف قبل أن ينهي جرس الحصة الخامسة صوته الضائع بين صيحات الطلاب المندفعين خارج المدرسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Free counter and web stats