الخميس، 13 أغسطس 2009

الخطيئة والثقة

لا العنوان ليس بخاطئ، لم أقرأ (ولا أظن أني سأقرأ قريبا) رواية الجريمة والعقاب. كان ما فكرت به اليوم، بعد أن شاهدت برنامج عن النشل في المتاجر الكبيرة، اعتقدت لوهلة أن هذا العمل أشنع من القتل! اعتقاد مفاجئ وغريب؟ نعم هو كذلك. ربما يكون تفكيري خاطئا لكن في معظم حوادث القتل يرتكب القاتل الجريمة بدافع ما سواء الكره أو السرقة أو الانتقام ... الخ. أما في حوادث النشل (لا أتكلم هنا إطلاقا عن السرقة) فيقوم الفاعل بفعلته تجاه الضحية والذي هو صاحب المتجر فقط لأن صاحب المتجر قد أعطى الثقة للفاعل بالدخول إلى متجره والتجول به بحرية.
نعم في السنوات الأخيرة، تضع معظم المتاجر الكبيرة كاميرات للمراقبة في أماكن ظاهرة للعيان كدليل على عدم منح الثقة المطلقة للزبائن، بل إعلامهم بأن تصرفاتهم تخضع للمراقبة وقد تكشف في أي لحظة. لكن تبقى هذه الأساليب قابلة للخداع بشكل أو بآخر ضمن هامش الثقة المتبقي والذي لا تحصره تلك الوسائل.

فكرت قليلاً، هل النشل فقط هو الخطيئة الوحيدة التي تسببها الثقة؟
فكان الجواب بلا. الخيانة الزوجية هي أحد الأمثلة الأخرى على علاقة الثقة بالخطيئة. حيث يقوم أحد طرفي الزوجية بخرق ثقة الطرف الآخر به على عدم وجود شريك آخر في الظلام بالقيام بعلاقة جانبية مع طرف ثالث. هذا النوع من علاقة الخطيئة بالثقة أصعب بالتحكم من المثال السابق عن النشل وذلك لأن مجرد وضع مثل كاميرات المراقبة التي توضع في المتاجر الكبرى في العلاقة الزوجية سواء عن طريق التنصت على الاتصالات أو مراقبة الرسائل الواردة على الهاتف، أو تتبع تحركات الشريك فيعتبر بحد ذاته خرق لثقة الشريك الأول.

الغش في المأكولات والأوزان من قبل البائعين، الغش في الامتحانات من قبل الطلاب وغيرها هي أيضا أمثلة عن علاقة الخطيئة بالثقة الممنوحة للفاعل.

لكن... وعلى الرغم مما بينت في الأعلى من أن الخطيئة تأتي كثمن للثقة الممنوحة للفاعل، فلم يعتبر المجتمع أن هذا النوع من الخطايا هو من الأنواع الممكن التجاوز عنها دون عقاب رادع قاس كما في حالات النشل أو الخيانة الزوجية أو الغش، حيث لا تتجاوز التعويضات في معظم المجتمعات ذات القوانين الوضعية التعويضات المالية ولا ترتقي إلى العقاب الجسدي (ذلك باستثناء بعض الدول القائمة على القوانين الدينية الصارمة). أظن أن ذلك بسبب أن الخطيئة بحد ذاتها جاءت بسبب الثقة الممنوحة. أي أن الخطأ في الأصل هو خطأ من منح الثقة للفاعل دون معرفته المعرفة الكافية، طبعا هذا لا ينفي أن الفاعل لديه الدافع لعمل الفعل لكن دون تلك الثقة الممنوحة له لم يكن ليتجرأ على القيام به، ولذا فإن عقابه يكون قاصرا على عقاب يتناسب مع نواياه السيئة وليس مع الفعل الذي قام به، إذ لا يمكن أن نعاقب من ينشل قطعة خبز من مخبز بذات عقاب من يقوم بالسطو المسلح على بنك. فالأول قام بذلك نتيجة عدم وجود حماية على قطعة الخبز تلك، بينما في الحالة الثانية فالفعل تم بالإجبار.

أما الفاعل لفعل الخطيئة مقابل الثقة فهو في أغلب الحالات يكون على علم بعمله، لكن دوافع مثل الفقر أو الحب، أو الجوع (والتي هي في الغالب من الغرائز الأساسية الإنسانية الأولى) تكون الدافع الأكبر لخرقه الثقة (والتي هي من الفضائل الإنسانية التي تأتي في ترتيب يلي الغرائز) والقيام بالفعل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Free counter and web stats