منذ عدة أيام وأنا متوجه إلى منزلي ليلا شاهدت ابن عرس يجري في الشارع، كان داكن اللون لدرجة اعتقدت معه أنه مجرد هر أو حتى فأر كبير إلا أن ذيله العريض لم يترك أي مجال للشك في أنه ابن عرس. ذهلت من ذلك حيث أنها كانت أول مرة أرى فيها ابن عرس في حياتي، فما بالكم إن كان ذلك ابن عرس الذي شاهدته في منتصف مدينة مكتظة بالسكان!
فكرت في نفسي قليلا، لم يكن غريبا أن أشاهد قطا أو فأرا أو حتى كلبا يمر في الشارع بينما كان من الغريب أن أشاهد ابن عرس؟ أليست كل ما ذكرت حيوانات؟ بل إن ابن عرس هو من فصيلة القطط أي لن يمنع ظهوره في الشارع ما يمنع ظهور أي قطة. لماذا ما الغريب في ظهور ابن عرس في المدينة؟ لم أجد تفسيرا لغرابة اعتقادي بظهور ابن عرس في المدينة إلا جدران المدنية المرسومة في رؤوسنا حول قداسة المدن البشرية وعزلتها عن العالم الخارجي أو بالأحرى مما يحيط بها من بيئة تضم جميع المخلوقات على وجه الكرة الأرضية وليست مقتصرة على الجنس البشري فحسب.
نعم، لو كان للمدينة جدران ببوابات وعليها حراس من بني البشر يسمحون لأي كائن بالدخول أو يمنعونه لكان حقا من الغريب رؤية ابن عرس في المدينة، حيث ستمنعه الكثير من البوابات من الدخول لأن بني البشر لم يعتادوا على وجوده بينهم سواء لأنه ليس حيوانا أليفا كالقط أو الكلب، أو أنه ليس حيوانا متسللا في مجاري المياه كالفئران والجرذان، ولا يمكنه الطيران وتجاوز حواجز بني البشر كالحمام والغربان.
إلا أن العيش في المدينة لفترة طويلة ترسم حقا تلك الجدران في مخيلتنا، وتجعل أي ساكن للمدينة يعتقد بوجود تلك الجدران حول المدينة التي تمنع دخول الدببة والنمور والأسود والذئاب والضباع إليها، كما تقصي الغابات والمستنقعات والجبال خارجا فتصبح أماكن للنزهة بعيدا عن المدينة وجدرانها.
يبقى السؤال معلقا، إن رأيت اليوم ابن عرس في الشارع ما الذي يمنع من أن أرى ذئبا أو دبا في الغد يقف أمام المتجر الذي اعتدت التسوق منه؟ هل هو خوف تلك المخلوقات من بني البشر ومدنيتهم فيرسمون لأنفسهم جدران يقفون عندها، أم لأسفهم على نمط الحياة في المدينة فيأبون الدخول إليها والعيش فيها كما يعيش الإنسان المسكين آسرا نفسه في جدران المدنية التي لا وجود لها إلا في خياله الضيق وأفقه المحدود؟
الأحد، 23 أغسطس 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق